كان « الماجدي ابن ظاهر » أحد الوجوه الثقافية البازرة في تلك حقبة من الزمن. وهو الشاعر النبطي الأقدم والأشهر في دولة الإمارات العربية المتحدة. مثل هذا الشاعر لمجتمع الإمارات ظاهرة غير عادية في عالم الشعر الشعبي الخليجي لما تميز به من خصوبة الفكر وبراعة التصوير والوصف وبلاغة لغوية زاخرة بروعة الحكم والأمثال.
تناقل الناس الكثير من القصص عن حكمة هذا الشاعر الفيلسوف ، وعن سرعة بديهته ونباهته، من هذا أن ثلاثة رهط قدموا عليه فاستقبلهم كعادته بالترحاب والضيافة العربية الأصيلة ، من غير معرفة أسمائهم ولا من أين أتوا ، حتى إذا أتمم عليهم سألهم الواحد تلو الآخر : ما اسمك؟ ، فأجاب الأول : في ايدك اليمنى ، فقال الماجدي بثقة: مرحبا بخاتم، أم الثاني فقال : تمرك العامي ، فرحب به الماجدي قائلا يا هلا بعتيج، أما الثالث فقد قال: من العشر ثلاث، فقال الماجدي على الفور: أهلا بالسبع.
و حكاية أخرى عن الماجدي أن رجلا امتحنه بأسئلة شعرية عبارة عن شطر من بيت ، فقال: إيش الفتاة اللي يزاغيها الصبا؟ ، فأجابه ابن ظاهر: سفينة و يديرها سكانها،
قال: إيش الفتاة اللي تجهجل عينها؟ ، فرد الماجدي: هي الرحا و يديرها مطحانها،
قال: إيش الفتاة اللي حسين لونها ؟ فقال شاعرنا: الشمس و الله عالم بزوالها.
ولد « الماجدي ابن ظاهر » في امارة رأس الخيمة ، وأكثر الروايات تقول أنه قد عاش بين عامي (1781 م ــ 1871 م). وكان ابن ظاهر رجل بدوي اعتاد التنقل في أرجاء المنطقة شأنه في ذلك شأن البدو الرحل ، الذين ينتجعون مواقع القطر ، ومنابت الكلأ ، وله في ذلك عدة قصائد يذكر فيها كثيرا من تلك المواطن التي كان ينتجعها :
من فجوج الجنوب إلى الشمال
من الظفرة إلى سيفة دهان (1)
و روي الرمل مع سيح الغريف
ووادي المكن داناه المداني (2)
على نزوه وما حاز الهباب
ووادي الجرن واسقاه الزمان (3)
واسقت من فلاح إلى العذيب
مجوج الما.. ثمان في ثمانِ (4)
على الصجعة وما حاز العشوش
على البطحاء وتمت روهجاني (5)
على رمل الحويمي والغدير
وسيح اليلح مخضر المثاني (6)
على تاهل وعثمر والغويل
على وادي سلام وسيهجاني (7)
إلى كفا وما حاز الخرير
مشرقة تبا حيل الدباني (8)
على المزرع وخطا والهزوع
مهايعة إلى مريال ثاني (9)
على كلبا وما حاز الجبل
من البلدان قاصي وداني (10)
وجاد الجود منها في الشمال
على البدوان ساحبة الجنان
وجاه السيل من روس الجبال
وجل اغفاه و امتلت المغاني
في رواية لـ« أحمد بن مصبح بن حمودة » يقول فيها: بأن الشاعر ابن ظاهر ولد بالقرب من منطقة الخران في رأس الخيمة ونشأ بها وترعرع على أرضها وهي منطقة يقطنها حتى أيامنا هذه عدد كبير من بدو رأس الخيمة، وعندما اشتد عود بن ظاهر وأصبح من القادرين على تحمل أعباء السفر والتنقل والترحال وما يصاحبه من صعاب وأخطار، أخذ يتنقل بين مدن الإمارات وقراها .. وفي آخر عمره رجع إلى منطقة الخران واستقر فيها حتى وفاته حيث دفن هناك .
ورغم أن « الماجدي » ولد وعاش في البادية إلا أن أن سحر البحر جذبه أيضا فكان له قارب يصيد به السمك وتاجر فيما بعد باللؤلؤ ، ولا يختلف اثنان أن تجارة اللؤلؤ كانت مهنة الأشراف في تلك الحقبة من الزمن، وقد كان يعمل على جلب اللؤلؤ بنفسه فقد كان غواصاً (غيص) أيضا قبل أن يبلغ به الكبر عتيا. لقد هيأ الله سبحانه وتعالى للشاعر الفيلسوف الجمع بين العمل اليدوي والتجارة في آن واحد ، بالإضافة إلى انتمائه المطلق إلى طبقة الأشراف وأعيان البلدة (في رأس الخيمة والتي كانت تسمى جلفار قديما).
أما عن تاريخ مولده ووفاته ، فإننا لا نستطيع أن نضع لهما رقما معينا ، ولكن يمكننا إن نحدد الفترة التي عاشها الشاعر بين عامي (1781 ــ 1871م)، فقد عاصر ابن ظاهر فترة من عهد الدولة اليعربية ، التي قامت في عمان سنة 1024هـ ، والدليل على هذا إن ابن ظاهر قـد مدح أحد أئمة هذه الدولة ، وهو سيف بن سلطان الملقب (بقيد الأرض) ، والذي تولى الإمامة في عام 1104هـ ، وتوفى عام 1123هـ ، بعد حكـم دام تسعة عشر عاما . ولكن رواية أخرى تقول أنه عاش في زمن قبل هذا فإحدى قصائدة تأخذنا للعام 1624م حيث مدح الماجدي قبيلة بني هلال ، تلك القبيلة العمانية المعروفة ، وقد ذكر المؤرخون أن ظهورها كان موازيا لسقوط دولة بني نبهان و استيلاء بني هلال على عدة مقاطعات من المدن التي تفرقت إليها دولة عمان في تلك البرهة من الزمن ، مشيرين بذلك إلى أواسط القرن السبع عشر ، حيث أن سقوط دولة بني نبهان وقع في 1624م .
شلاغيف الرجال بني هلال إذا من البلا شب التهابِ
طفوا نيران حرب المعتدين و خلو حامي النيران كابي
واراها اليوم خلية الربوع من النزلات خالية الكعابِ
وها نتحدث عن فارق زمني كبير بحوالي 100 عام بين ظهور بني هلال ووفاة الإمام اليعربي الذي توفي حوالي 1711 م ، هذا عدا كثافة الأحداث التي حصلت في فترة حكم اليعاربة والتي شهدت تحرير عمان من أيدي البرتغاليين والتي تجعل من الصعب تصديق أن الماجدي كان يعاصر هذه الأحداث بقلبه وقالبه دون أن نرى من آثارها ما يضيء لنا ظلام تلك الحروب ولا ما يبعد عن أعيننا ضباب الحيرة، فالماجدي لم يكن ليجهل أو يتجاهل أحداثا عظيما كتلك.
ولكن ذكر الماجدي لـ" طوفان المعيريض" الذي قتل 90000 من أهل رأس الخيمة المسلمين ومن الوافدين غير المسلمين (القور) يجعلنا نرجح الرواية الأولى كون الطوفان قد حدث في العام 1871م:
تسعين ألفٍ من المعيريض برهدوا
مشروكةٍ ما بين مسلم و قورها
و إلى نخيل الحيل جتها مسايل
عواوينها قد غرق الماء جذورها
وهذا ما رجحه الشاعر حمد خليفة بوشهاب في كتابه تراثنا من الشعر الشعبي الذي يضم بين دفتيه روائع الشعر الشعبي القديم ، و قد ذيل لاسم ابن ظاهر بجملته التالية : " المتوفى عام 1123 هجرية ".
لم نقف لابن ظاهر على أسم واضح كامل سوى ما جاء في أشعاره من ترداد التعبير عن نفسه « بالماجدي بن ظاهر » ، وظاهر إما يكون أبا الشاعر أو لقبا اشتهر به ، أو أن عادة الناس في تلك الأوقات أن ينادوا الإنسان بابن فلان نسبة إلى أبيه أو بأبي فلان نسبة إلى ابنه البكـر ، كما هو معروف عند أهل البلاد ، حتى يصبح ذلك علما عليه لا يعرف بغيره .نرى ملامح هذه الشخصية المبجلة واضحة جلية في أشعاره ، في استهلالاته باسمه وباسم قبيلته ، وبلفظة فهيم التي تكررت لتؤكد أن قائلها لم يكن يقصد بها الفخر بقدر ما كان يحاول توثيقها وقد كان له ما أراد بكل استحقاق.
أما عن نسبه، فيقول الشيح عبد الرحمن بن علي المبارك أن اسم الماجدي بن ظاهر هو علي بن ظاهر، وقد نسب إلى قبيلة المواجد ، وإن المتتبع لآثار قبيلة المواجد ليصل إلى مفترق عند نهاية طريق التمحيص ، فقد تعددت الروايات في تحديد القبيلة الأم التي تضم قبيلة المواجد مع قبائل أخرى كثيرة، نستطيع أن ننتقي منها ثلاث روايات:
- الأولى: للشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم رأس الخيمة سابقا، و يذهب إلى أن المواجد فرع من المزاريع.
- الثانية: أحمد بن عبد الله العويس فيذهب إلى أن المواجد قبيلة من قبائل بني ياس ، سكنت منطقة مزيد القريبة من العين و ما يزالون بها إلى الآن.
- الثالثة: لأحمد بن مصبح بن حموده و يقول أن المواجد فرع من المطاريش.
صدر للماجدي ديوانان شعريان:
يذكر الرواة أنه حينما تقدم ابن ظاهر في العمر قام بإجراء بعض التجارب على الأراضي التي أحب أن يدفن فيها بعد موته .. فكانت لديه دريه (خيوط مطوية من الصوف) يدفنها في التراب حيث حل ، وبعد حولا كاملا يعود لنبشها فيجدها وقد أكلها التراب .. إلا التي دفنها في الخران وجدها باقية على حالها لم تتغير ، لذلك أوصى بدفنه فيها .
تعريفات:
- 1 - الظفرة: المنطقة المعروفة في أبوظبي. سيفة دهان: موضع على ساحل البحر برأس الخيمة.
- 2 - سيح الغريف: موضع يحتوي على المدام وفلي المليحة . وادي المكْن: وادي العوير حالياً.
- 3 - نزوة والهباب: موضعان غرب الفاية ، وادي الجرن يقع بينهما.
- 4 - فلاح: اسم بئر يقع قرب مطار الشارقة الحالي. العذيب: اسم بئر أيضاً.
- 5 - الصجعة والبطحاء: مناطق معروفة في الشارقة. العشوش: موضع يقع غربيها.
- 6 - رمل الحويمي وسيح اليلح مناطق معروفة في دولة الإمارات.
- 7 - تاهل وعثمر: يقعان شرقي طوي راشد، الغويل: بئر ماء قريب من الغذيب.
- 8 - كفا: موقع يقع طرف الجزي ، الخرير: موضع الخران في رأس الخيمة.
- 9 - المزرع: بئر يقع جنوب جزيرة الزعاب وفي الشتاء ينتشر العشب والزرع الأخضر بشكل كثيف حوالي البئر،
- 10- مريال ثاني: سواحل خورقكان وكلبا. أما الهزوع : فهي مناطق رملية تقع في طريق الحمرانية.
- 11- كلبا: منطقة كلباء في شرق الإمارات