في بلدة أم القيوين الهادئة أواسط أربعينيات القرن الماضي .. عرف القيوانيون العم صالح حسن كغواص حسن السيرة والخلق .. كان جيرانه وأقربائه يحبون فيه فطرته السليمه وتدينه الشعبي ولحيته البيضاء الطويلة ومحافظته على الصلاة والصيام والذكر ..
إلا أن صالحاً كغيره من غواويص ذاك الزمان كان يعاني من صعوبة العيش وشظفه وضيق ذات اليد .. وهو ما كان يؤدي به إلى المخاطرة بحياته والخروج بقاربه المتواضع من نوع (البتيل) والذي كان الخروج به إلى عرض البحر مفرداً ووحيداً يعد مخاطرة كبيرة غير مأمونة العواقب ..
ورغم ذلك فقد كان العم صالح محتسباً ومتوكلاً على الله .. ويخرج بشكل شبه يومي لإحضار عدة أسماك تقي أهله مذلة الجوع .. أو للغوص لعل الله يكرمه بعدد من اللآليء يبيعها على عدد من الطواويش الذين يعرفهم في الشارقة مما يجعله يمتلك بضعة روبيات يعيش بها على الكفاف إلى موسمٍ قادم ..
وفي ليلة فتحت له فيها طاقة القدر .. خرج العم صالح إلى مشواره اليومي في عرض البحر .. وغاص لعله يجد شيئاً وحينما وصل لأسفل قاع البحر وجد مجموعة من المحار التقط بعضها إلا أن إحداها انزلقت من يده عالقة بلحيته فحاول انتزاعها بشده وهو في أعماق البحر ففشل .. حاول التقاط أداة من حزامه ليقطعها بها فلم يستطع وأحس بأن أنفاسه تكاد تتقطع .. فلم يجد بداً من الصعود إلى السطح والمحارة لازالت عالقه بلحيته بشكل مزعج ..
جدف بقاربه إلى أن وصل إلى الساحل وفي المنزل حاول جاهدا في سحبها ولم يستطع فلم يجد امامه بداً من قص لحيته الطويلة البيضاء .. وقد فعل .. وبعد أن قص لحيته .. قام بفتح المحارة ليفاجئ بدانة كبيرة براقة لم ير أحد في أم القيوين بمثل حجمها من قبل .. حمد الله كثيراً .. وذهب بها مباشرة إلى سوق الطواويش في الشارقة وباعها على أحد التجار بمائة الف روبية .. مما جعله بين غمضة عينٍ والتفاتتها أحد اكبر أثرياء أم القيوين ..
ومرت الأيام والنقود تزيد بالتجارة بين يدي العم صالح .. ولكنها أخذت معها جزءاً من تدينه وطيبته وأخلاقه .. فانشغل بالتجارة وجمع المال وبعد عن دينه وساءت أخلاقه وانجرف إلى طريق المعاصي والآثام .. وبدأ تعامله يسوء مع من هم دونه في الجاه والمال ..
سمع العم صالح عن تجارة خشب الجندل الرائجة بين الهند وأفريقيا .. وهو نوع من الأخشاب الضخمة التي تستخدم في التسقيف والبناء ، فقرر أن يقوم بصفقة عمره لمضاعفة الأموال التي جمعها .. فقرر أن يصفى جميع أملاكه وأعماله .. وحصر نقوده كلها في مجموعة واحدة من أخشاب الجندل اشتراها من الهند لبيعها في أفريقيا.. طلب العم صالح من البحارة أن يربطوا خشب الجندل بسلاسل طويلة لكبر حجمها وحملها على ظهر سفينة ضخمة وأبحرت وهو معها إلى سواحل أفريقيا لبيعها ..
وفي الطريق البحري الطويل .. هبت عاصفة كبيرة .. وكانت من الخطورة لدرجة أن النوخذة أعلن بأن السفينة يجب أن تتحرر من بعض أثقالها لكي تنجو .. وطلب من العم صالح أن يتنازل عن جزء من بضاعته المكونة من أعمدة الجندل الضخمة لكي يتم القاؤها في البحر فتنجو السفينة إلا أن العم صالح رفض أن يضحي بشيء من رأس ماله .. واقترح عليهم أن يلقوا بصناديق المسافرين الثقيلة وأمتعهتهم .. وقد فعلوا ذلك ولكن دون جدوى كان لا بد من إلقاء المزيد .. كرر النوخذة طلبه على العم صالح ولكنه رفض مرة أخرى وطلب منهم قطع صارية السفينة وإلقائها .. وحين فعلوا جائت موجة ضخمة شقت السفينة إلى نصفين وانقطعت معها السلاسل وسقطت أخشاب الجندل والناس في البحر ..
عمد البقية ممن نجوا مع العم صالح إلى السباحة وسط الأمواج المتلاطمة إلى أقرب ساحل حتى أنجاهم الله ..
وبينما هم يعبون الهواء لاهثين غير مصدقين نجاتهم من الكابوس الذي أحاق بهم ... سمعوا العم صالح وهو ينشد ويقول حزيناً :
دنياي يوم أقبلت يـت بشـــعرة تنقـــــاد
ودنياي يوم أدبرت حتى السلاسل ما فاد
رواية: أحمد عبدالله المطوع، بقلم: عبدالله الشويخ