كأي شاب آخر من شباب المنطقة .. كان الماجدي .. شاب بسيط ضئيل الجسد .. اسود العينين .. يعاني ما يعانيه البقية في طلب الرزق .. وهو الأمر الذي كان يجبره على السير بشكل أسبوعي من “ضنك” وهي منطقة خصبة تقع بين واحة العين وعبري إلى منطقة تسمى “رملة العنيج” وهذه تقع بدورها بين واحة “الذيد” ومنطقة الشويب ..
كان في رحلته الأسبوعية يضع ما يجود به نخيله ومزروعاته القليلة التي تجود بها مزرعته في “ضنك” ليبيعها على القوافل التجارية التي يقابلها في “رملة العنيج” .. لديه بعيرين يرافقانه في الرحلة يضع الزاد والبضاعة على أحدهما ويربطه للآخر الذي يحمله هو .. ويسير في الطريق الموحش وهو يدندن ببعض الأشعار التي يحفظها .. نادباً حظه الذي لم يؤهله ليكون شاعراً يشار إليه بالبنان مثل أولئك الفطاحل فهو لا يمتلك الأدوات اللغوية ولا الموهبة ولا المعرفة ..
وتستمر الحياة .. وتستمر الرحلات الأسبوعية .. دون أن يكسر روتينها أمر معين إلى ان كانت تلك الليلة .. ليلة كان القمر فيها مكتملاً بالقرب من منطقة الشويب .. وهو يمشي الهوينى على بعيره وكانت سنة قحط وجوع .. وإذ بامرأة تخرج أمام الماجدي .. شعثاء مغبرة .. ويبدو عليها الفقر والحاجة .. فزع الماجدي من مظهرها .. فأوقف بعيره وصرخ فيها :
- من أي العرب أنت؟
لم تجبه المراة البدوية إلا بهمهمات لم يفهم منها شيئاً .. اقترب منها اكثر متوجساً حتى اتضح له بأنها بكماء لا تستطيع الكلام .. “بلمه” كما يقول أهل المنطقة .. ولكن هذه لم تكن النقطة الوحيدة التي تبينها .. بل تبين له أيضاً بأن المرأة ليست بدوية بل هي جنية .. أو كما يطلق عليها أهالي المنطقة “أرضية” .. إذ أنهم كانوا يعتقدون بأن الجن لا يسكن على سطح الأرض بل في باطنها وسط الشعوب والأنفاق وعند مخارج الأفلاج ..!
أحس الماجدي بحدسه بأن المرأة تكاد تسقط لفرط الجوع والإعياء .. فأخرج من جرابه تمراً أطعمها إياه وسقاها ماءً من قربة كانت معه حتى ارتوت .. وما أن ارتوت المرأة واستراحت حتى نطقت كما ينطق كل فصيح .. ودعت له بقولها:
- إذهب .. عسى الله أن يمنحك ثواباً عظيماً .. يجعل ذكرك به على كل لسان !
أنهى بعدها الماجدي رحلته وعاد لأهله في “سيح الغريف” وحدث أن أمراً في لسانه قد تغير .. فمنذ تلك الحادثة أصبح الماجدي يقول الشعر الجميل كما لم يقله أحد من أهله وبلده .. فأصبح شاعراً لا يشق له غبار .. وطارت شهرته في الآفاق وأصبح هو “الماجدي بن ظاهر” الذي تتغنى الإمارات بأشعاره إلى يومنا هذا ..
وكل ذلك بدعوة من جنية بن ظاهر .. الخرساء .. او البلمة .. والتي لا زالت منطقة لقائها به تحمل اسمها : هور البلمة !
المصدر: منقول من الإنترنت بقلم عبدالله الشويخ