كانت امى حبيبتى اكثرنا معاناه واكثرا الما واكثرنا تحملا .. لم اسمع ابى يناديها الا بالقبيحة.. ولم اره يدنو منها الا برفسه من رجله ولم اسمعه يعاتبها الا بـ "انت نعله".. "اقدر ان ارميك متى ما أردت" وأمى مع كل هذا صابره مستسلمه تقضى يومها فى خدمه البيت وابى وصغارها وجدتى التى تعيش معنا ..
جدتى ، أم أبى ، كانت عجوز متسلطه قاسيه سليطه اللسان وعالية الصوت وبذيئه العبارات.. عانت امى منها الكثير مع ان امى هى من تقوم على خدمتها ورعايتها والاهتمام بكل شئون حياتها
أمى كان صبرها يفوق الاحتمال .. لم ولن انسى دموعها وهي تنسكب على وجنتيها المتعبة كلما ضاقت بها الحياة ، وخمارها التى تغطي بها شعرها الاسود الجميل حين تمسح به دموعها التي انسكبت على وجنتيها.
أمى يتيمه الأبوين.. لها شقيق وشقيقتين.. ولها أخ من أمها غير شقيق يسكن خارج المدينة التى نسكن بها. . فى ذلك الوقت كانوا أهل أمى نادرا مايزوروننا أو نزورهم.. لا أدرى هل بسبب أبى؟ ام أن العادة اقتضت هذا!
اما أبى فلا اخوان له غير اخت واحده، اكبر من أبى وهي متزوجة وتعيش فى مدينة بعيدة نادرا ماتزورنا. وكثيرا ماتذهب اليها جدتى ويوم غيابها عن البيت يعد عيدا لنا جميعا وراحة لأمي...
وفي أحد الأيام التي مازالت محفورة فى ذاكرتي حيث كنت فى الصف الخامس واختى فى الرابع واخوتى الصغار فى بدايه دراستهم فأحدهم فى الصف الثانى أما التوأم احمد وسعد فكانوا فى الصف الأول ، حصل أن غاب أبى وجدتى معاً عن البيت فى سفرهم لبيت عمتي .. لم يكن بعادتهم الذهاب سويةً فهذه كانت المرة الأولى..
قضينا حينها أيام وليالى سعداء ببعضنا البعض في بيت يسوده الهدوء في ظل عطف وحنان امنا .. أخذت حينها اتعجب كيف أن الآلام والمعاناة تقربك ممن تحب اكثر وكلما زادت معاناتنا في الحياه التصقنا بأمنا والتصقت هى بنا ..
ثم جاء ذلك المساء...