كان بيتنا يقع فى أطراف المدينة عند نهاية شارع ضيق ترابى تتراص البيوت حوله. لا إناره ولا أرصفه ولا احدا يتجول فيه بعد صلاة العشاء كالعاده ..
بعد صراخنا أنا وأخوتي، اخرجنا أبى وهو يلعن ويسب ويدفعنا نحو أمى الجالسة قرب الباب وهو يهدد ويتوعد لو احد طرق عليه الباب ليدخل..
اغلق الباب بقوه اهتزت فيها ارواحنا و تمزقت معه كل احساس بداخلى بالامان والحب والثقة.. تكومنا حول أمى.. وسبحان الله كانت أمى قويه متماسكه.. أخذت تبث الهدوء في نفوسنا وتهدئ من روعنا وتعدنا بأن أبي سيهدأ بعد دقائق ويفتح لنا الباب
همست فى اذنى قائلة:
- مها حبيبتى اذا فتح لكم أبوكم الباب ادخلوا جميعا وانتبهي لاخوتك الصغار .. لا تخافى أنا سأذهب للجيران والصباح ننظر ما يحدث..
فى هذه اللحظه كانت مشاعرى مهزوزة وباخلي ألم كبير لم استطع أن اعبر عنه من قسوه أبي على أمي وبداخلى جبال من الخوف واليأس والحيره والضياع .. لا ادرى كم مضى من الوقت لكن حل منتصف الليل وأبى لم يفتح الباب لنا وازداد احساسي بالخوف لحد الهلع ..
فى هذه اللحظه كانت رحمه الله بنا اكبر .. سمعنا خطوات العم ابراهيم جارنا يضرب فى عصاه الأرض ويهلل ويكبر ..شاع فى صدورنا ضوء من الأمل الذي افتقدناه تلك اللحظة .. عندما اقترب منا حدق بذهول في كومه الأجساد الصغيرة الملقاه في جانب الطريق منتصف الليل..
ثم لمح وجه أمي فقال لها:
- أم عبدالله ليه جالسه انت وعيالك خارج البيت؟!
فأجبته بمراره:
- أبي اخرجنا واغلق الباب..
" لا حول ولا قوه الا بالله".. قالها عم ابراهيم بمراره واشار بعصاه أن اتبعونى للبيت..
فرحنا وتبعناه لنمضى تلك الليلة الموحشه المؤلمه الموجعه الثقيله على قلوبنا في بيت العم ابراهيم وفي الصباح كان جارنا العم ابراهيم قد خرج من بيته بعد ان شدد على اهل بيته بحسن الضيافة وعاد ومعه خالي عبدالله..
كان خالى عبدالله رجلا قويا شديدا يهابه الجميع بما فيهم أبي وهو يكبر أمى في العمر وكان ذو بنية كبيرة وصوت جهورى حاد ترتعد فرائض من يخاطبه خوفا وهلعا واحتراما .. عندما سمع ماجرى لأمي وما آل اليه حالها ، خرج مسرعا الى بيتنا يحمل عصى العم ابراهيم وهو يرعد ويبرق ويتوعد ابى بأشد العقوبات لو طاح بين يديه..
طرق عليه الباب ولكن أبي لم يفتح له خوفا مما قد يحدث والعم ابراهيم يحاول بجهد تهدئة خالي وفي داخلي حمدت الله أن أبي لم يقع بين يدي خالي في تلك اللحظه خوفا من شر قد يحصل لهما الإثنين ..
بعدها رحلنا مع أمنا الى بيت خالى عبدالله .. لا نملك إلا الملابس الخفيفة التي خرجنا بها من منزل أبي وبداخل كلا منا ثقلا من الالم والقهر والحزن..