في عمر سبع سنوات انفصل والديّ وانسحبت أنا وأخي الصغير من حضن امي لبيت والدي وزوجته الجديده وللأسف عشنا اسوأ ايام حياتنا من معاملة سيئة واهانات وضرب .. هربت لمذاكرتي ودروسي بانكباب شديد لأتجنب سوء المعاملة التي اتلقاها في منزل والدي حتى أصبحت من المتفوقات في مدرستي الا أن والدي زوجني من أول خاطب لي وأنا في عمر ١٦ سنة وكنت للتو أنهيت الصف الأول ثانوي ..
زوجي كان يكبرني بعشر سنوات .. زوجني والدي منه دون أخذ مشورتي ولكن الخروج من جحيم بيت والدي كانت الفكرة الوحيدة التي واستني ..
في البداية كان زوجي طيبا معي، لكن عيبه الوحيد كان في رفضه فكرة اكمال دراستي فاضطررت للرضوخ لرغبته لضعف حيلتي .. كان زوجي يعمل في الأعمال الحره واضطررنا للإنتقال بين مدينة واخرى حتى استقر بي الحال في مدينة جدة وهناك أنجبت منه بنتين وولد ثم توفى والدي رحمه الله عليه وورثت منه مالا كثيرا ..
اقترح علي زوجي أن نبني لنا بيتا كبيرا قريبا من البحر واقنعني بتسجيل ملكية البيت باسمه حتى يكون من السهل عليه تنفيذ الإجراءات الخاصة بالأرض والبناء على أن يقوم بنقل ملكية البيت باسمي حال الإنتهاء من البناء .. فوافقت واشتريت الأرض وبنينا البيت باسمه وكم كانت سعادتي لحظة انتقالي لهذا البيت وكأنني ملكة تحتفل بتتويجها ..
لم يمضي علي مدة قليلة حتى صدمني زوجي بدخوله متأبطا ذراع إمرأة أخرى قدمها لي على أنها زوجته الثانية .. صرخت في وجهه وبكيت ونحبت .. عاتبته وكلي قهر قائله:
- كيف تتجرأ على ذلك دون اخباري ..
- كيف تتجرأ على ادخال ضرتي في بيتي
وكان رده كالسكين الجارحه التي قطعت أوصالي قائلا:
- هاذا بيتي اذا مو عاجبك، الباب يطلع جمل
- جاوبته وانا غير مصدقه لما يقول: اشلون بيتك وهو بيتي
- قال: هذا اللي وصلك
ثم صعد معها للطابق الثاني وتركني اقاسي مرارة خسته معي .. وبدأ فصل آخر من حياتي شبيه بقسوة بيت زوجة أبي.. سقط قناع زوجي وتحول لشخص مهمته إهانتي بالسب والشتم واختلاق المشاكل اليومية هو و زوجته .. لم أطق الإحتمال أكثر .. اخذت عيالي وخرجت من البيت قاصدة بيت أمي في الرياض .. جثوت على قدمي أمي وأنا في حاله نفسيه سيئة ..احتضنتني أمي ومررت بحالة اكتئاب شديدة لم أطق فيها الكلام مع أحد ولا حتى الخروج من غرفتي..
ادمنت الحبوب المهدئة التي وصفها لي الطبيب لنسيان صدمة حياتي الكبرى .. بعدها بأشهر ، خرجت من هذه المحنة بفضل حضن والدتي ومتابعتها وصبرها وتشجيعها لي ..
عندها بدأت استعادة توازني، اقترحت علي والدتي اكمال دراستي وفعلا انتظمت في المدرسة المسائية واخترت التخصص العلمي وتخرجت من الثانوية بنسبه عاليه أهلتني للحصول على بعثة لدراسه الطب في امريكا ..
ومن اللحظة التي بدأت فيها دراستي هناك في الغربة ، ابتعدت عني ذكرياتي الأليمة..
مضت تسع سنوات رجعت فيها للرياض حاملة لشهادة الجراحة التجميلة وبعدها بأسابيع قليلة، جاء تعييني باكبر مستشفى حكومي بالرياض !! ذلك من فضل ربي ..
بعد مضي سنة من عملي، صدر أمر بانتدابي مع أكثر من طبيب لبريطانيا لعلاج حالتين حرجتين جدا لشخصين مشوهين بدرجة كبيرة .. دخلت غرفه العمليات وجلست أكثر من ثمان ساعات اخيط وارمم الأعضاء المشوهه .. انهيت عملي وسلمت الحالتين للطبيب الاستشاري وسافرت راجعه للرياض.
بعد مضي أربعة أشهر من عودتي من بريطانيا، تم جلب المريضين الذين عالجتهم في بريطانيا للرياض وادخلت الممرضة الملفات الخاصة بهما وكم كانت صدمتي .. اكتشفت أن المصابين هما طليقي وزوجته .. سبحان من ارسلهم الى طاولة عملياتي بعد كل هذه السنين الطويلة..
هل يدريان بأنني من قمت بعلاجهما .. لا أدري ولكنني تشجعت ودخلت عليه وسألته عن حاله .. لم يعرفني باديء الأمر ، فعرفته بنفسي وفجأه بدأ يشهق باكيا وهو يقول:
- سامحيني ، تكفين سامحيني
- كنت جاي للرياض وناوي اقهرك وآخذ العيال منك بعد ماسمعت عن نجاحاتك وكان كل تفكيري اشلون اقهرك
- لكن عقاب الله كان أسرع مني فحصل لي هذا الحادث وكنت على شفا حفرة من الموت لولا رحمة رب العالمين
عندها .. وجهت نظراتي لذاك الوجه الجميل الذي شوهته لفحات اللهيب حتى اختفت معالمه ولذلك الجسد القوي الذي أصبح طريح الفراش ومهشم العظام .. وقلت له ببرود:
- ماراح اسامحك الا اذا رجعت لي بيتي فهو كل حلالي
وافق على طلبي بسرعه وأمر محاميه بإرجاع ملكية البيت لي وعندها قمت ببيعه بمبالغ كبيرة فاقت قيمته التي دفعتها من قبل .. عندها تلاشت عني كل مشاعر الضيقه والحسرة والقهر التي حملتها في قلبي كل تلك السنين وتصدقت بثلاث ارباع المبلغ شكرا لله رب العالمين الذي تكفل بارجاع حقي وجبر خاطري بعد كل هذه السنين .. فسبحان الله .. يمهل ولا يهمل ..