في عام 1979 .. قرر جدي أن يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية تاركا خلفه وطنه الأم سوريا ليبدأ حياة جديدة هناك ..
كانت الخطة الأساسية تتمثل في أن يسافر جدي أولا لولاية كاليفورنيا لتلتحق به جدتي وأبنائهم السبعة بعد ذلك .. كانت رحلتهم رقم 191 على الخطوط الأمريكية تتضمن النزول لولاية نيويورك أولا ثم شيكاغو قبل الوصول لمحطتهم الأخيرة كاليفورنيا.
كانت محطة الوصول الأولى هي نيويورك .. كان الإجراء في ذلك الوقت يقتضي بطلب بطاقة الغرين كارد من قبل جميع المهاجرين عند وصولهم للمحطة الأولى قبل السفر للمحطة التالية ..
كانت عمتي هالة بذلك الوقت قد تحجبت منذ فترة بسيطة .. طلب منها الموظف المختص أن تخلع الحجاب من أجل التقاط صورة ولكنها رفضت !! وضح لها الموظفون هناك أكثر من مرة انها لن تحصل على الغرين كارد وبالتالي لن تستطيع مواصلة الرحلة الثانية إلى كاليفورنيا .. بتلك اللحظات كانت جدتي المرهقة من السفر الطويل قد بدأت تفقد صبرها .. فلم يبقى سوى وقت قليل على موعد إقلاع طائرتهم التي اشتروا تذاكرها بكل ما يملكونه من مال .. لذلك كانت تتوسل لابنتها أن تذعن لهم وتوافق على خلع الحجاب .. ولكن عمتي ظلت على موقفها وإصرارها الشديد .. استدعى الموظفون المسؤولون بالمطار لمحاولة اقناعها ولكنها كانت مصرة على موقفها وقالتها بصراحة: "لا يهم من تستدعون ، فلن أخلع حجابي"
بعد مرور 3 ساعات من موقفها هذا، تم استدعاء مسؤولي الأمن للنظر في هذا الأمر وفي موقف لا يصدق، وافق رجال الأمن على التقاط صورتها وهي مرتدية الحجاب .. ولكن جاء هذا القرار بعد أن فات موعد اقلاع طائرتهم التي أقلعت فعلا بدونهم ..
اضطروا بعدها لشراء تذاكر جديدة والبقاء ليلة كاملة في نيويورك .. بطبيعة الحال كانت جدتي بتلك اللحظات تصب جام غضبها على عمتي وتتذمر مما قامت به نتيجة لعناد عمتي الذي كلفهم تفويت رحلتهم للوصول إلى وجهتهم عند جدي في كاليفورنيا ..
وحينما وصلوا بعدها إلى كاليفورنيا وأمام مشهد عجيب ، وجدو جدي في استقبالهم وهو يبكي بحراره ويحتضنهم بقوة وشوق وكأنه غير مصدق انه يراهم أمامه ويقول بصوت عال: "اللهم لك الحمد .. اللهم لك الحمد .. انكم على قيد الحياة !!"
كانوا مستغربين من لهفته تلك وتعجبه من أنهم أحياء .. وتساءلوا باستغراب: "لما لا نكون أحياء !!"، فأخبرهم أن رحلتهم الأصلية على الرحلة رقم 191 لم تصل لوجهتها أبدا لأن الطائرة قد تحطمت وقتل جميع من كان فيها !!