البطة السوداء

مقروءة (نص)
نشرت منذ 2330 يوم - الفئة : حدثت
346 0

إدارة الموقع

هذا هو الوصف الذي كان يطلق علي في المدرسة الإبتدائية .. كنت في الصف الأول حينما التصق بي هذا الوصف.. في البداية لم اعرها اهتماما ثم أصبحت اتضايق منها كثيرا...

 

اسمي منار ، عمرى الآن 25 عاماً عند حكاية قصتي هذه ....

أبي كان دوماً مسافر وأمي هي التي كانت ترعانا أنا وأخواتي..

المشكلة كانت تكمن في أن أخواتي (نسمة ونور) بيضاوتين مثل أمي، وأنا الوحيدة التي ولدت سمراء مثل أبي ..

 

كنت أشعر بأن امي غير سعيدة بشكلي .. ولطالما سمعت تعليقات جارحة من حولي:

  • أنت ليه مش حلوة زي أخواتك؟

 

كنت أبكي....سراً ... حتى شعري مجعد ومنكوش...

 

أسأل نفسي: ليه أنا بالذات الوحشة؟؟!

 

الغريب أنني كلما سألت نفسي كلما أزددت وحاشة... ليس لي صاحبات من كثرة ما أنجرحت بتعليقات الناس  ... أصبحت دوماً أحب مضايقة البنات ، إما بأخذ أشيائهن أو قرصهن ...

تعبت أمي من كثرة استدعاؤها الى إدارة المدرسة شاكين لها حالي كل مرة: منار غير مؤدبة .. منار مؤذية.. منار مزعجة .. منار مشاكسة !!

 

وأمي في المقابل لا تعرف إلا الضرب، قالت لي في احدى المرات وهي تضربني:

  • هو أنتِ مفيش حاجة فيكِ عدلة؟؟ طالعة لَهُ !!

     

    هي تقصد أني مثل أبي !! .. كان يرضيني كوني المشاغبة رقم 1 في المدرسة  ..احسست بأن لي بعض الأهمية وإن كان الوصف بشعاً!

     

    لا أحد يحبني.. الأخصائية الجديدة الآنسة منى حاولت محادثتي أكثر من مرة .. إلا أن فكرة تقويمي وإصلاحي من قبل أي أخصائية ، أمر في غاية الإستفزاز.. لست مريضة ولا مجنونة ولهذا لم أطق الكلام معهم .....

     

    لماذا أنا موجودة في هذه الدنيا.. أنا وحشة ولن أتزوج كما يقولون .. كم كنت أكره أخواتي لأنهم حلوين .....

     

  • "مرمر"

     

    هكذا ناداني كابتن جمعة، كابتن كرة السلة العجوز .... أعرفه شكلاً وصوتاً ..... وكان سني حينها 10 سنوات

     

  • نعم يا كابتن.. (رديت برخامة كالعادة)

     

  • قال لي: مالك يا مرمر؟؟؟؟

     

    مالي!!!!! لم يسألني أحد قط عن حالي.. أنا شيء مهمل دوماً .....

     

  • رديت: مفيش
  • قال: طيب ليه عاملة كده
  • قلت برخامة: أنا شكلي كده
  • قال مبتسما بلا غضب: أنتِ زعلانة أوي ليه ؟؟؟

     

    نظرت إليه محدقة ...  أخيراً يوجد شخص ما في هذا العالم يعرف إني زعلانة ؟!

     

  • قلت له: وليه ما أزعلش، محدش بيحبني

     

    قال في طيبة وهو يقدم لي بسكوته :

  • شعور صعب أوي يا مرمر إنك تحسيه ..

     

    فما كان مني بعد سماع هذا إلا أن أبكي ..

     

    قال في تعاطف :

  • أد كده متضايقة يا بنتي ؟؟؟

     

    أسرعت بالإبتعاد عنه ... وسقط مني البسكويت ....

     

    في اليوم التالي للتمرين.....لم أذهب، أمي لم تهتم.... لكن بعد ذلك ذهبت ....

     

    وحينما رأيت كابتن جمعة وابتسامته الجميلة بادرته بالسؤال:

  • ليه الناس بيكرهوا سماري.. أنا أيه ذنبي

     

    لم أرى في صفاء وجهه أي تهكم وقال:

     

  • " وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ "
  • الناس يا منار أمتحان لبعض.....
  • كل واحد بيضايق التاني في حاجة....
  • أنتِ عارفة ، أنا كمان عندي أصابة في ذراعي من سنين، بسببها تركت لعب السلة... الناس برضه بيعلقوا عليها

     

  • قلت: ليه أنا سودة وأخواتي بيض؟؟؟

     

  • قال: ده أختلاف بين الناس ربنا قسمه بيننا

     

  • أنتِ لو رضيتي هتكوني رائعة

     

  • قلت: أرضى أزاي والناس بتتريق علي

     

  • قال: الناس بتتريق على كثير من الأمور.... بس مادام أنا عارف أني مش غلطان، أجمد ولا يهمني

     

  • قلت له: أنا بالعكس بقيت بأكره كل حاجة يا كابتن

     

  • قال: وليه متحبيش كل حاجة يا بنتي؟؟ ما دام أنتي عايشة في هذي الدنيا، عيشيها صح ...  حتي ولو الناس بتتريق عليك... التريقة غلطتهم مش غلطتك... عيشي صح لحد ما الناس تقول عليكي "ياريتنا زي منار"

     

    بكيت بحرقة بعد سماع كلامه وابتعدت.. أخذت أفكر.. معقول أستطيع أن أجعل من حولي يقول: "يا ريتنا زي منار" ؟؟!!

     

    ممكن حد يقول كده ؟؟؟؟ .. أنا فاشلة دراسياً  ..مكروهة في  البيت والمدرسة  ..

     

    كنت غالبا ما أمر بالقرب من حاويات القمامة في طريقي للمنزل بعد انتهاء كل يوم دراسي .. كانت حاويات القمامة تمتليء في العادة بأكوام الزبالة حتى تفيض بما فيه وتنشر رائحة مزعجة حول المكان..... وفي ذاك اليوم بالتحديد حينما هربت من كلام كابتن جمعة وركضت خارجة من المدرسة، انتبهت لوجود عمال نظافة بينظفوا حاويات القمامة وبينقلوها كمان معاهم لمكان آخر بعيد عن الممشى القريب من مدرستنا...

    وبعد مرور أسابيع قليلة ، تحول مكان القمامة إلى حديقة جميلة مليئة بالزهور والرائحة الجميلة !!!!!!

     

    ثم أخذ عقلي الصغير يفكر وقلت في نفسي حينها: يعني ممكن الحاجة الوحشة تتغير لشيء في غاية الروعة؟؟

  • بس بشرتي مش هتتغير
  • البشرة مش كل شيء
  • البشرة شيء واحد من كثير من الأشياء ..

     

    عندها بدأت أذاكر وأصلي وأبتسم لأخواتي... بطلت رخامات ومشاكسات، لكن البنات مبطلوش تريقة واستهزاء بي..

  • يا عيني على الإجتهاد !!

 

لم أهتم لهذه العبارات الإستفزازية، ما استقر في ذهني هو فقط كلمة عم جمعة: "بكرة تقولوا يا ريتني زي منار"

 

ماما ملاحظة اني تغيرت ولا تعلق.. طلعت الثالثة في المدرسة .. المدرسة كرمتني ....

 

وبعد شهر، سمعت ماما تقول لأختي نور :

 

  • شايفة منار ملتزمة أزاي في الصلاة ؟؟؟

     

    ذهبت لعم جمعة.... كان شكلي فرحان

  • قال لي : كملي

     

    بدأت في الحفاظ على كوني من الأوائل في المدرسة وأيضا على صلاتي و الحمد لله 

    بدأت تقبيل يد ماما....لبست الحجاب في الإعدادي.....تعليقات الناس زي ما هي على سماري بس خلاص جمدت ولم تعد تؤثر شيئاً في نفسي .... فلطالما ملامح عم جمعة تبرز في ذهني وهو يشير لي مشجعاً ....

     

    استمررت في تقبيل يد ماما ...

    أشعر أنها راضية عني رغم سابق سوء علاقتي بها... بدأت أعطف على الأطفال ...  وحسيت أني أحلويت .. !!!!

     

    مرت الأيام .. عم جمعة مريض جداً .... ذهبت مع ماما لزيارته... دعا لي .... ودعيت له ....

    عم جمعة أتحسن وخرج ، بس بطل يروح النادي .. أنا وأمي حريصين على زيارة زوجته والسؤال عليه ...

     

    خلصت الثانوية بتفوق، ثم دخلت كلية الطب ...

    أخبرت عم جمعة ....

  • قال لي : أنتِ أدها يا منار ....

     

    ماما فخورة جداً بي .....

    في أولى طب ... مات عم جمعة..... صليت عليه الجنازة ودعوت له من قلبي ...  اللهم أعف عنه ووسع عليه وثبته بالقول الثابت .... ودعيت له كتيراً .. أقسم بالله أني أدعو له يومياً وأخرج كل يوم صدقة له..... وأزور زوجته بين الحين والآخر  ....

     

    عم جمعة مخلفش ..... لكن وقف جنبي عشان أعيش براحة بال ..... كان من الممكن أكون كتلة سوداء ولكنه حولني إلى انسانة تشع نوراً ....

     

    في سنة رابعة طب ، اتعرفت على (مدحت) وكان في سنة تخرجه من كلية الطب....

     

    الغريبة أن مدحت أشقر!!!!!!! أمهُ بريطانية مسلمة.......وأبوه مصري .... مدحت كان مصمم يتجوزني ....

     

  • يقول: انتي انسانة بتصلي و محترمة .....
  • أنت أهبل ؟؟؟؟ تتجوزني أنا ؟؟؟؟؟

 

ماما كانت طايرة من الفرحة .. أخواتي مش مصدقين ..... كنت بأضحك .. من كل قلبي......

 

تمت الخطبة وأتجوزت ... وفي فرحي تراآى لي وجه عم جمعة لما ناداني وأنا عمري 10 سنوات: "مالك يا مرمر" .....أدعي له دائما... وأتصدق عليه... بين الفينة والأخرى .. الله يرحمك يا عم جمعة برحمته الواسعة زي ما رحمتني وأنا طفلة ضايعة بقلب أسود .....

 

حكيت لمدحت عليه...... أنا ومدحت بنقول على أي شخص يبني ولا يهدم : عم جمعة....

 

بأقول لكل الزعلانين من سمارهم او زعلانين على حالهم ......كل شيء أبتلاء ... البياض والسمار.....الحلاوة والوحاشة.... الغنى والفقر ... المهم يكون الإنسان راضي عن نفسه لأن الأقدار الإلهية سترضيه بعد ذلك بشكل أو آخر ...


المصدر: د . إيناس فوزي، مصر

الاطلاع على قصص اخرى من

قصص وعبر من جميع الاصناف تحاكي الروح وتبث الهمم.

دعوة أب

إدارة الموقع

ذكاء راعي

إدارة الموقع

خلك على البساطة

إدارة الموقع

خارج الصف

إدارة الموقع

حلقان أمي

إدارة الموقع

تاجر مجوهرات

إدارة الموقع

استكشاف القصص ←

دعوة أب

إدارة الموقع

ذكاء راعي

إدارة الموقع

خلك على البساطة

إدارة الموقع

خارج الصف

إدارة الموقع

حلقان أمي

إدارة الموقع

تاجر مجوهرات

إدارة الموقع

اكتشف المزيد ←

0 استجابة

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ عن التركيز على الشكل

ما رايك

اكتب اسمك هنا
كتابة البريد الالكترونى الخاص بك
اكتب تعليقاتك
لن يتم نشر بريدك الالكترونى

أكتب قصتك الان

اكتب قصصاً عشتها أوسمعت عنها. اكتشف عالماً من القصص والعبر. شارك حكايا الروح.

ابدا الان ←