كنت الشهر الماضي في زيارة للندن وبعد انتهاء ارتباط عمل، ذهبت أنا وصديقاتي في زيارة لحديقة بجانب الفندق الذي كنا ننزل فيه، الحديقة كانت رائعة الجمال والشجر محمل بالزهور والورود الجميلة فقررنا أخذ صور تذكارية.
وبينما كنت واقفة تحت شجرة زهرة الكرز لأخذ صور تذكارية فإذا برجل كبير في السن يأتي ويتحدث بلهجة سكوتلاندية ثقيلة ويقول "لدي اقتراح لتصبح الصورة أجمل، سأهز الشجرة ثم تقوم صديقتك بالتقاط الصورة! " وبالفعل هز الشجرة ليتساقط الزهر كالمطر ونحظى بصورة ساحرة .. شكرناه حينها وانشغلنا بعدها بأخذ صور جماعية اخرى.
بعد أن انتهينا، أخذت أحدث صديقتي سلمى عن الرجل وكيف أتى لنا بفكرته ابداعية، فلفتت انتباهي صديقتي سلمى بأن الرجل قد يكون (Homeless) مشرداً فابديت استغرابي كونه لم يطلب منا أي مساعدة هذا عدا اننا لم نلاحظ وجود أي لوحة أو مكان للتبرع له، ولكن مع ذلك اتفقنا أن نذهب ونتحدث معه لشكره بكل الأحوال.
كان جالساً بسلام على كرسي في مدخل الحديقة، سلمنا عليه واستئذناه بالجلوس والحديث معه وسمح لنا بسرور بذلك.
خلال حديثنا معه أخبرنا بأن اسمه أندرو (Andrew) وبأنه من سكوتلاندا وأن الربيع هنا في لندن خصوصا في هذه الحديقة جميل جداً ولكن لا شيء يضاهي جمال جبال سكوتلاندا، ولم يذكر لنا بأنه مشرد بلا مأوى ولم يطلب أي مساعدة، فسألناه بصراحة هل لديك بيت أم أنك تعيش هنا، فأخبرنا بعفاف واستحياء بأنه بلا مأوى ويعيش هنا كل يوم. ثم سألناه ان كان هناك جمعية ترعى الناس بلا مأوى كحاله هنا، فأخبرنا بوجود منظمة في المنطقة تقدم خدمات للأشخاص بلا مأوى ولكنها تأخد حوالي ثلاثون باوندا لليلة الواحدة مقابل وجبة عشاء وسرير للنوم في مكان يشبه الفندق. ثم قال مغيراً الموضوع أنا بخير وأعرف كيف أتدبر أموري، واعجبت كثيرا بعفة نفسه .
ثم خطرت ببالي فكرة! قلت له متحمسة:
- "أنت انسان مبدع! الفكرة التي منحتنا اياها للصورة كانت روعة! تخيل لو أن لديك كاميرا فورية تصور فيها الناس وتكسب قوت يومك منها ولو وجبة واحدة! "
أطلقت تلك الفكرة بكل حماس دون أن تلقى نفس التفاعل من أندرو ، ربما لكثرة حديث المتعاطفين عادة معه وقلة فعلهم، ثم نظر لي قائلاً:
- "فكرة جميلة لكن ليس لدي مال لأشتريها" ،
- فأخبرته "سأحضرها لك! أعدك بأنني سأبحث في الأمر واذا كانت التكلفة معقولة سأعود لك وبيدي الكاميرا".
شكرني غير مصدقا لماقلت وقال لي أنا هنا كل يوم.
مشينا انا وسلمى في الشارع وبحثنا عن محلات تبيع الكاميرات وسألنا أصحاب المحلات في الشارع ليدلوننا على محل قريب، ذهبنا ووجدنا محلاً فيه كاميرات فورية ذات نوعية جيدة وبسعر منطقي، وبالفعل اشتريت الكاميرا الفورية بكل حماس! واشترت سلمى معها فيلم اضافي وبطاريات اضافية، وطلبت من البائع أن يعلمني أنا وسلمى كيف نستعملها وأن يكتب لنا عنوانهم ورقم هاتفهم على ورقة.
ثم ذهبنا لمحل مستلزمات ورقية واشترينا لوحة فارغة وأقلام ملونة وغطاء بلاستيكي للوحة ففي لندن تكثر الأمطار، وكتبنا على اللوحة:
"Do you want an instant photo?
I'm a homeless photographer, Support me ☺
5£/Photo"
"هل تريد صورة فورية؟
أنا مصور بلا مأوى، ادعمني :)
5 باوند/للصورة"
وعدنا للحديقة وقلوبنا تسبق أقدامنا لمفاجأته ورسم السرور على قلبه، ولكن لم نجد أندرو .. مشينا في كل أرجاء الحديقة وبحثنا عنه في كل مكان ولم نجده، بعض صديقاتي روان وفرانكا ذهبن للمطار للحاق برحلتهن، وصديقاتي مريم وسلمى ذهبن لعمل تشيك آوت من الفندق فسفرهن اقترب وقلن بأنهن سيعدن لي .. أما أنا فبقيت جالسة على الكرسي انتظره لساعات وبيدي اللوحة.
وبعد طول انتظار، دخلت مريم وسلمى الحديقة وأندرو برفقتهن حيث وجدنه بالصدفه وهو يبحث عن شيء أضاعه وهو يمشي.
سلمت عليه بلهفة وقلت له "أحضرت لك هدية ووفيت لك بوعدي!" وأخرجت الكاميرا من وراء ظهري لينصدم ويضحك وتدمع عيناه! ثم أمسك أندرو الكاميرا يتأملها غير مصدقا أنها بين يديه وقرأ اللوحة التي صنعناها له وطار فرحاً.
قامت سلمى بتعليمه كيفية استخدامها وأعطيناه الورقة التي عليها عنوان محل الكاميرا في الشارع المجاور للحديقة اذا احتاج شراء فيلما جديداً واخبرناه بأن الفيلم فيه ٢٠ صورة وثمنه ٢٠ باوند فلو صور صورتين فقط في اليوم سيكون قادرا على شراء وجبة لنفسه كل يوم وعلى شراء فيلم جديد بعد مرور أيام ونحن نأمل بأن يصور أكثر..
ثم عرضت عليه صديقتي مريم أن يصورها كأول زبون له وأعطته خمسة باوندات وطلبنا منه أيضا أن يصورنا، وكانت بالفعل صور جميلة دفعنا قيمتها وتركناها معه ليتذكرنا وكتبت له مريم على ظهر الصور : "هدية من صديقاتك المسلمات."
خلال تواجدنا هناك صور أندرو شخصين آخرين، وكنت فرحة بزبائنه أكثر من فرحة أندرو نفسه ربما.
عند وداعه قلت له:
- لدينا مقوله معروفه "لا تعطني سمكة، لكن أعطني صنارة وعلمني كيف أصطاد"
هذا ما فعلناه معك تماماً، هذه الكاميرا لن تغير حياتك عزيزي أندرو، لكن ربما تكون البداية وتساعدك عى الأقل أن تجلب قوت يومك بدون مساعدة أحد. فقال لنا بثقة وقوة:
- في المرة القادمة عندما تزورون لندن سأشتري لكم القهوة وهذا وعد مني ...
هذه الجملة الأخيرة التي قالها لمست قلبي كثيراً، الشرارة التي رأيتها في عينيه ، شرارة "أنا قادر على أن افعل شيئاً" كانت أجمل ما حصل معي منذ بداية هذا العام.
أندرو موجود بشكل يومي على كرسي في مدخل هولاند بارك في لندن في منطقة أولومبيا، إذا كنتم في لندن او زرتم لندن أدعوكم بإلحاح لزيارته ودعمه بأخذ صورة تذكارية لكم هناك ومشاركتها على الهاشتاغ: #AndrewBraveHeart
